القصــــة
كان لأحد العلماء أمنية عظيمة ، وهي زيارة حضرة بقية الله الأعظم (عليه السلام وعجل الله
فرجه) وتألم كثيراً لعدم توفيقه لذلك ، فبدأ بالرياضة الروحية ، حيث أنه من المشهور في النجف
الأشرف بين الطلبة أن كل شخص يذهب إلى مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء للعبادة فإنه سيصل
إلى لقاء صاحب الزمان (عليه السلام وعجل الله فرجه) .
فسعى في ذلك مدة من الزمن ، ولكنه لم يصل إلى غايته ،ثم توسل بالعلوم الغريبة ، وبأسرار
الحروف والأعداد ، وعمل على تهذيب نفسه ولكنه لم يحصل على نتيجة . ولكنه مع ذلك فقد
حصل له صفاء باطنيّ نتيجة السهر في الليالي، والمناجاة في الأسحار ، مما أعطاه حالة روحية
جيدة ، فسَرَتْ إليه بعض الحقائق وسمع بعض الدقائق.
وفي إحدى هذه الحالات قيل له : لن تتمكن من رؤية صاحب الزمان (عليه السلام وعجل الله
فرجه) حتى تسافر إلى المدينة الفلانية ، وإن كان سفرك صعباً ، لكن ستهون الأمور أثناء الطريق
، فوصل بعد عدة أيام إلى تلك المدينة ، وأخذ بتهذيب نفسه وتركيزها هناك ، إلى اليوم السابع أوالثامن والثلاثين
فقيل له :إن صاحب الزمان موجود في سوق الحدادين الآن، وهو جالس على باب دكان رجل
عجوز يصنع أقفال، فقم إليه .
فنهض والشوق يحركه بإتجاه دكان الصانع، وبوصوله رأى ولي العصر (عليه السلام وعجل الله
فرجه) جالساً هناك يكلمه ويحادثه بحرارة ومحبة .
ألقى السلام . . فأجابه الإمام مشيراً بالسكوت . . أطاع وتنحى جانباً ،
فرأى امرأة عجوزاً قد أحدودب ظهرها ، تستعين بعكاز ، أقبلت تعرض بيدها المرتجفة قفلاً
فقالت :
“ أيمكنك لوجه الله تعالى شراء هذا القفل مني بثلاث دراهم، لأني بحاجة إلى هذا المبلغ”؟
أخذ الصانع القفل منها . . نظر إليه فوجده سالماً لا عيب فيه ،
فقال لها: أختاه إن هذا القفل يساوي ثمانية دراهم، ولا تتجاوز قيمة مفتاحه درهمين، إذا دفعتها لي
أصنع لك مفتاحاً لهذا القفل فتصبح قيمته عشرة دراهم .
فقالت العجوز : لا . . . إني لست بحاجة لذلك . . اشتر مني هذا القفل بثلاثة دراهم ،
وسأدعو الله لك .
فأجابها الصانع بكل بساطة : أختاه أنت مسلمة ، وأنا أدّعي أنني كذلك مسلم، فلماذا آخذ مال
المسلم رخيصاً وأضيع حقه. هذا القفل يساوي ثمانية وإذا اشتريته فسأدفع سبعة دراهم ، وأكرّر
لك أن درهم واحد في المعاملة سيكون بلا إنصاف ، فإذا أردت البيع سأشتريه منك بسبعة دراهم،
وأكرر لك أن قيمته الحقيقية هي ثمانية دراهم ، ولكن بما أني كاسب وعلي أن أربح سأدفع سبعةً .
ولعل العجوز لم تكن لتصدق أن هذا الرجل يتكلم بجدية ، فقالت: لا أحد رضي بشرائه بأقل من
هذه القيمة وأنا أتمنى لو أخذوه مني بثلاثةٍ وأنا أعرف أنّه لا يباع القفل بدرهمين ، لكني بحاجة
إلى ثلاثة دراهم .
لكن الصانع أعطى تلك المرأة سبعة دراهم وابتاع القفل منها ثم ذهبت .
فقال الإمام (عليه السلام وعجل الله فرجه) للعالم: هل رأيت هذا المشهد أيها السيّد العزيز؟
كونوا هكذا، واعملوا بهذه الطريقة كي آتي بنفسي إليكم ، فالإنزواء والقعود لا لزوم له، والتوسل
بالجفر لا فائدة منه . . . اعملوا العمل الصالح، وكونوا مسلمين لأتمكن من مساعدتكم، من كل
هذه المدينة لم أختر غير هذا الرجل العجوز . . . لأن لديه (دين ) ويخشى الله وهذا أيضاً
امتحان قد أداه بنجاح فمن بداية السوق كانت هذه العجوز تعرض حاجتها، لكنهم لما علموا حاجتها
، أرادوا شراء القفل منها رخيصاً ، ولم يشتره أحدٌ منهم حتى بثلاثة دراهم . لكن هذا العجوز
اشتراه بسبعة ...
فما من أسبوع إلاّ وآتي إليه أطيّب خاطره وأسأل عن أحواله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته